Mad Men - ومضات موسمية لرجال ماديسون / S05



دون درايبر وماثيو واينر يقدمون لك أكثر بداية رتيبه لموسم من مواسم مادمين السابقة... وليست لتحيز إعجابي المتيم، ولكن أعتقد الصنّاع تعمدوا فعل ذلك، تعمدوا الرتابة لحضور دون درايبر غير اللامع وبالكاد تشاهد ذاك التوجه .. بل استعراض أكثر لكل شخصية وما لديها لتقدم، ما لديها لتعيش. وبعدها، تقف متأمل لكل ماحدث لتنظر للرؤية التطورية لعلاقة دون وميغان كعنصر أساسي لتوجه افتتاح الموسم ٥ .. ولا تستطيع إلا أن تشاهد نار التطرف... سبق وتطرف دون وهو بأحط مرحلة ممكنة في حياته كدون درايبر، وتقبل الأذى في علاقة حميمية عابرة ولكنها الأن تحت علاقة زوجية وهو بأكثر مرحلة حيوية وحقيقية، بعلاقة أعمق وأهم .. وفي العالم الحديث يروج للتطرف كشيء... جريء ، كما لو أنه تفرد... وهو تدهور، هو تهرب، هو في الحقيقة تملّك وَهْم خاص بك. هيبة جنون علاقة دون وميغان تظهر على حقيقتها في نظرة خلاقه لبراعة الرتابة في عصر موسمها الجديد .. ينجحان الثنائي الجديد في تحقيق نقطة يتفقان عليها في ختامها ولكن السؤال إلى متى؟ .. ليس لوقتٍ طويل كما يبدو.


الملصق الدعائي لهذا الموسم قد تكلمت عنه إنه شبيه بلقطة عابرة لبيتي درايبر في ختام الموسم ٢ قبل خيانتها لدون... وأحب أفكر فيه بنظرة تطرفية، مثل إفتتاحية هذا الموسم تمامًا .. ولا يخفى المنظر على أحد بأنه ربما هذا ما يرمي إليه الملصق بين نظرة دون لسلعة معروضة، هذه السلعة تعرض لك رجل بجلسة تبدو مسيطرة .. والأخرى لأنثى عارية .. والتجريد والتركيب البسيط لكن الذكي لكل مواسم مادمين يحقق معنى الإبداعية، كما يحث العمل شخصياته بإظهار إبداعيتهم وأكثر من ذلك.


بداية الموسم ممكن الأغرب ما بين المواسم .. أول وجه مألوف كان لسالي درايبر .. تستكشف منزلها الجديد وحياة والدها الجديدة. الموسم بأول الدقائق يُحي لك هدوء غريب حتى في الطرح .. تبدو حالة الشركة أكثر استقرارًا بعد تركنا لوضعها في آخر الرابع، وبيت كامبل قال جملة جميلة بخصوص "الاستقرار" .. بإنه النقطة الفاصلة بين الفشل والنجاح .. والغريب فوق كل الغرابه إن تقريبًا ولا أحد حامل لهذه الرهبة والخوف على سير الشركة إلا بيت... دون باختصار شديد (نايم بالعسل) .. دون درايبر دائمًا ما كان له غياب في جانب من كل موسم، الأن؟ هو يغيب عن أكثر شيء يجعله ذا هوية وصيت لامع كــ دون درايبر وباختصار صريح هذا هو القالب الذي وضعوه الكتّاب لحالة دون درايبر النفسية على لسان بيغي أولسن: 



دون أول ما شم رائحة ما تخطط له ميغان (حفلة ميلاده الــ ٤٠ ) .. قال لها ببساطة "لا" .. دون بلحظات بالحفلة ينظر بتعجب على لمعان فتاته الجديدة لا في عينيه، بل أعين البقية .. وكأن قطعة منها أصبحت للكل. ولا أعتقد الفكرة كغيرة بل على مستوى أكبر كطبيعة دون، بأن يكون محط سخرية، محط نظرة تقليليه، بالرغم من عدم اهتمامه يومًا بما يقول/يفكر عنه الآخرون ..

إلا أنه وجد نفسه في معضلة "الإحراج" .. وفي محاولة تفسير إنزعاجه بعد الحفلة لميغان قال نقطتين: أنا في الــ ٤٠ من نص السنة -غالبا قصده كــ ديك ويتمين وعمره الحقيقي- ولم أعد أحتفل بميلادي، ولم تعتد بيتي على الاحتفال به. ولست بحاجة أن أكون محط إهتمام الآخرين بحياتي.... وهالشيء ذكرني بكلامه لبيغي في الحلقة ٧ من موسم ٤ .. 



من أجمل لحظات إذا ماكانت أحب لحظة في إفتتاحية هذا الموسم بساعة ونصف هي مشهد مواساة برايس لجون .. جون من نوعية البشر اللي بحياتنا يعطون... ببساطة يعطون ويقدمون الكثير لغيرهم وللحياة حتى، ونادرًا ما يفكرون ياخذون،،، والحياة نادرًا ما تلعب لهم أفضل الخيارات. هم الآنسون الحزينون في نهاية الطريق .. ولكن مع بعض الملتقى الخاص الشخصي.

وعلى لسان برايس .. صاحب أجمل تعليق على حفلة دون


...









البدايات لا تعني شيء أمام الطريق الذي سلكه هذا الموسم... بعد رحلات عديده في 4 مواسم سابقة، هذا الموسم للتصحيح. وعندما دون يُسيطر عليه المرض والخوف في الحلقة ٤ .. نشاهده بمشهد هو من أغرب المشاهد في العمل كامل، تأتيه لحظة لإظهار عنفه بخنق المرآة التي أقام علاقة معها للتو... الشيء الأكيد عدم حدوث الحدث، وما هي إلا هلوسات المرض .. لكن أفترض بأنها منعرج شخصي لدون درايبر، لمجاهدة نفسه من خيانة ميغان وتدمير حياته الجديدة، لأنه يعلم بالنتائج الأن .. ولم يتبقى الكثير من عمره لمحاولة ثالثة. دون أصبح يقين بما يجب عليه فعله في هذه المرحلة من حياته. دون من الممكن لأول مرة، يتجرأ على رغباته ولا يسمح لها بأن تطاول على حياته وتدمرها.


وفي مشهد عابر جدًا وما أعتقد كثير بيلاحظه، بكل بساطة دون يطلب من ميغان تعتذر من ترودي عن الدعوة... وميغان ترفض وتقوله لو بتختلق عذر لعدم الحضور حدثها بنفسك. اللحظة هذي جاني (ديجافو) حقيقي .. لأن بنفس هذا الأسلوب دون درايبر اعتاد يطلب هالنوعية من الطلبات من بيتي! عشان يرفض دعوة ما يبغى يروح لها. ويوم حاول بنفسه يعتذر ماقدر، ماعنده المهارات اللازمة.



المضحك في هذا الموسم، وعلى عكس ما حصل في موسم ٣ .. دون يحاول، ويجاهد نفسه عن خيانة ميغان، وتقدير مايملك معها، ولا يريده أن يذهب من يديه. دون كعلاقة فهو مرتاح، العلاقة تضمه في منطقتين حياته، العمل والمنزل. ودون يجد نفسه شبه متيم بها لوجودها معه على الجانبين. ولكن... ذكرنا إن هذه الصورة المثالية لدون مرتبطة بتطرف وأشياء أخرى .. تجعل من هذين القلبين بأن يجتمعان سويًا لمصير لا يُعجب أي منهما. إنها حياة من اختيارِهما .. يعتقدان بأنه يمكن لأي منهما تيسير الحياة كما يجب أن تكون.

دون يهيم بحب ميغان في لحظات حيه حقيقية للعلاقة المتوازية بينهما بين العمل والحياة الشخصية. دون في بداية الموسم يدخل منعرج حقيقي وواقعي لحياة زوجين بأفكار وأهداف مختلفة .. المنعرج مثالي وتجسيده عظيم... ينقل علاقتهم لمرحلة جديدة. دون يقع في حب هذه الفتاة... ولا أعتقد أنه بالضرورة حب بقدر ما أنه يقع في قالب: هذه فرصتك الأخيرة لشيء تتطلع له في حياتك. دون درايبر يمر بحالة نفسية لا يعلم بها ما يريد من ميغان، وكيف هي الصورة التي يريد حياته أن تكون عليه. لأن دون؟ لم يتقبله أب زوجته الأولى: بيتي، ولا الثانية: ميغان .. مع كلاهما يُعاني على مصرعين بما يريد وبما الآخرين يريدون.


 المذهل هو في الحلقة ٨ .. ميغان تكذب على دون، وبعد لف ودوران تخبر دون بحقيقة كذبها عليه، دون بكل غرابة، وميغان تُصدم من تفهمه الكامل .. ويدعمها بقرار تركها للعمل والانتقال للتمثيل .. وجيل دون درايبر؟ لا يتفهم أي من هذه الأمور، كيف لك أن تترك وظيفتك؟! تتركها لملاحقة أوهام وأحلام؟ وفي ثقافة الثراء وعدم الإهتمام بفقدانك للترف والامتيازات التي تمتلكها .. يسهل التفكير بمثل هذا الأمور الثانوية في الحياة. وهذا لا يُلغي من شق طريقه من العدم وكافح ليحقق نجاحه رغم عدم إيمان أقرب الأشخاص به، ولكن هذه مجرد قصة إستثنائية ولا تعمم مهما كثرت لأنها عشوائيات حياتيه لا أكثر، فالبعض ينجح لموهبة والبعض لجمال والبعض فقط صدفه .. ففي العالم الواقعي؟ أنت لا تساوي شيء بدون المال. في الحقيقة؟ أنت لست إنسان من دونه. لن يُنظر لروحك وسلامة قلبك ورجاحة عقلك .. بل فقط لقرشك.


دون درايبر يقدم في الحلقة الثامنة أحد أرعب المشاهد بالنسبة لي... مشهد إخراجي بسيط وعظيم، يمثلك الحالة النفسية عند دون درايبر، يبين لك قد ايش هذا الرجل هش، مثلي ومثلك تمامًا، يتسائل بحيرة مخيفة: لماذا لا أرتاح بقرارها الجديد؟ ما الذي سيحدث بيننا؟ .. هذا الرجل يشعر برعب ليس له أي مثيل .. يشعر برعب مُهيب لأن فتاته بكل بساطة قررت ترك عالمه الذي أصبح معها يكتمل نصفه الآخر. ياله من مشهد .. أنا انذهلت ذهول عجيب. اللحظة رقم واحد في موسم غريب ولكن لا يقل كفاءة وبراعة وقوة درامية متناهيه. مادمين إرث تلفازي لا يضاهيه شيء.


دون يرتجف بخوف... ليُلقي هذه المخافه على بيغي، في مشهد انتقالي بينه وبين ميغان، ليتنتقل بجواره بيغي... ولا تمثل بيغي ما كانت تمثله ميغان في مرحلة دون في عمله الأن. وبيغي... أذكى، ولديها البصيرة الكافية لتنظر إلى دون وتشاهد هذا الخوف بداخله وتنتفض لتوقضه وتريه الحقيقة.


وفي احتفالات الحصول على حساب شركة سيارة جاغوار .. شخصين كل منهما أدار جسده وأعطى البقية ظهره... الأول برايس، بسبب متاعبه المالية الحانقه عليه. والآخر هو دون درايبر، لحزنه ومرارة هذا النجاح لأنه كان على حساب جون... جون وافقت على أن تقدم قطعة منها في سبيل النجاح، وتلقت جائزة مقابله، ودون ينظر لها بأسف... هذه النظرة الوحيده. وجون برضه من الشخصيات القوية والقوية جدًا، تعرف كيف تتعامل مع صدمات الحياة، وكأن هذه الصدمة الوحيدة الاي كانت باختيارها، وحصلت على مقابل مهم وكبير. وعندما أدار دون جسده، وجد بيغي تنتظره... لتحدثه بقرار رحيلها، ودون لا يكاد يصدق .. شخص آخر في حياتي يبتعد بكل بساطة. وعلاقته ببيغي معقدة بعض الشيء، للفوقيه التي لديه عليها مع الالتزامية والشفافيه الخاصة بينهما.



لتبتسم بعدها بيغي لمصعد حياتها الجديدة .. بعيدًا عن أي شخص اعتاد على كونها في الجوار وتناسى تقديرها.

...







شطحة: أكثر بشري مستانس بحياته ولا طق خبر لاحد ..

...







أنا من أكبر محبين روجر، وروجر حتى ولو حمل نقاط خاصة ومميزة، شخصيته تعمل كمحفز، كأنه مُلطف؛ كمشهد له مع برايس يعلمه أسس الارتباط ونجاح عشاء لحساب شركة .. وتعطيك نظرة إن روجر فعلًا ذكي، وعالأقل كان فعلًا ممتاز في شغلته... الشخصية ليست بالضرورة فُكاهية على قدر ما هي لعوبة محبوبه. ولإختصار الكلام عن روجر بأقول كل مشهد لروجر هو حفلة لا تجدها بسهولة، بل تقتنيها .. لأن نادر ما تشوف هالكم من التميز والمهابة ليست المرعبة، بل لحضورها الطاغي في شخصية جانبية عبثية بشكل غالب، ومن النادر ما تؤثر بتغيرات صريحة في منتصف أي من مواسم مادمين بل في نهاياته أحيانًا. له زاوية في أحد الحلقات أخذ حبه تخليه يهلوس .. ولك أن تتخيل الفكاهة المتفردة عندما يرتبط أي شيء بروجر ستيرلنغ



أم زوج بيتي .. هالأم من ظهورها الخاطف في موسم ٤ وأنا حبيتها، قالت عن بيتي إنها إمرآة سخيفة وطفولية، ومتعجبة من إبنها لإعجابه بها .. صرعت أم أمي ضحك بتفاعلاتها مع سالي بالموسم .. قرأت خبر جريمة وبآخر الليل تجيها سالي تفجعها، وتلقى بجانبها سكينة... مت والله. هذي الشخصيات اللي كذا هم ملح المسلسلات. كذا مالها يمكن أي احتياج قصصي، لكنها كإضافة تعطي حيوية.

عشق عشق ..


بيتي درايبر أو بيتي فرانسيس .. تسقط في فاجعة مرضها وزيادة وزنها وهو على الأغلب بسبب حالتها النفسية. وكمية المشاعر تدافقدت كالفيضان بعد هلعها واتصالها بدون درايبر .. بكلمات مألوفة دون دائما ما سيحمل بيتي. جانويري جونز ممثلة عظيمة وفصل بيتي يعطي نظرة تعاطفيه بعد نظرة حانقه في الموسم السابق .. حُلمها بموتها يُشعل فتيل شريط حياتها ويحثها بما يجب عليها فعله. لكن بيتي تبقى بيتي، تعود لعاداتها الحانقة دائمًا

...







بغرابة... هذا أكثر موسم أشعُر بالأسى على دون درايبر. رجل صنع التغيير المنشود، ولكنها حياة، حياة بها ظلال .. ظلال مذلة، موحشة وخانقة. تعيش بهشاشتك خيفه على نفسك، خوفًا من أن تتربص يديك على قلبك وروحك. آنا درايبر، ميغان، بيغي .. كل هذه الشخصيات النسائية تمثل الشيء الكثير لدون درايبر، وجميعهم رحلوا عنه، كل شخصية غادرت قلبه بطريقتها الخاصة. الشيء المثير قليلًا هو الشد والجذب الحاصل بين دون وميغان طوال الموسم بين ما دون يريد وما تريد ميغان .. وأعتقد... في تصور عدم تفضيل دون مسار زوجته كون دون يحمل الحقارة بداخله، ويعلم جيدًا كيف تسير الأمور في "العالم الواقعي" .. لأن أي حقير لن يأتمنك على أحبابه لعلمه بحقارتك وحقارة غيره. يعلم بأن مهما تملكت ميغان من موهبة ستقع ضحية استغلال هذه الزاوية، ولذلك لم يستطع تقبل الفكرة.



الحلقة ١٢ من أصعب الحلقات وأكيد أروعها .. تتخللها قوة دون درايبر ولمعان بريقه في لحظة جملته الشهيرة

سقوط برايس المدوي وضرب حدثه كما يجب أن يسقط .. على رؤوس المشاهدين قبل شخصياته. وكل كلامي عن الآسى أو التفهم اللي أكنه لدون درايبر بهذا الموسم لتقدمه نحو نضج ورضى منطقي .. ينعكس في لحظة عودته للمنزل بعد موت برايس ليلتقي بغلين... ويقدم له أكثر حاجة يتمنى القيام بها، ودون يحقق ذلك له. لم تكن النسخة السابقة من دون لتفعل ذلك. النسخة السابقة... ستشرب وتعود للمنزل بحالة يرثى لها، ويخيف زوجته .. ولكن لا، هذه نسخة مختلفة من دون درايبر. 

...











وفي الختام .. دون يلتقي بالصدفة ببيغي... وبلحظتها تخيلت ما تمثل بيغي لدون، أعتقد أقرب لكونها آنا .. بنفس الشعور السعيد وغير المفهوم .. دون يلتقيها، ويحادثها بدون تكلف أو صعوبة. قلبين لا يجمعهما إلا جلسة مع الحياة. بدون تراهات ومغالطات. نحن هنا الأن، في هذه اللحظة



وفي الختام .. دون يشاهد نسخ من أخاه آدم خلال الحلقة .. دون يجد نفسه بين جدران حياته محاصر، ويُقصف من كل جهة، حتى مع محاولات تصحيح الأمور أو على الأقل شعوره، بزيارته لزوجة برايس... لا يتلقى بعض من ذلك... الأمان ربما؟ .. دون درايبر، عاد ليصبح له قرنين. وهذا حوار لفكرة إعلان سابقة خلال الموسم... تنجح بعد خيالات دون بفكرة: حتى الشيطان. نعم، حتى دون درايبر .. وحيد.

ومع كل إعجابي بالمرحلة اللي وصلها دون بهذا الموسم... إلا أنها حياة، تعصف بك وكأنك تعيش لوحدك. لوحدك؟ دون درايبر، عاد لكي يأسره هذا الشعور .. لقطة ختامية ممكن من الأفضل في ختاميات مادمين كـ لقطة. هنا رجل، وجد نفسه مرة أخرى وحيد في الظلام. كما لو أنه صديقه القديم والعزيز... دون يرسم تلك النظرة على وجهه ليعود لنقطة الصفر.

Comments