Mad Men - ومضات موسمية لرجال ماديسون / S04




أول لحظة من موسم ٤: "من هو دون درايبر؟" ؛؛؛ أنت تعيش رحلة مع رجل، وهذا الرجل قد يقودك إلى أي من محطات الحياة... جميعهم يتقدمون سويًا في هيئة إنسان. لا يُعاني في حياته بالضرورة من معيشة، مسكن ولا حتى قوت يومه .. فقط يُعاني من نفسه وروحه. ومضات حياة حقيقية، بعيده كل البعد عن أي سراب. حلقة ١ كانت أحد أروع حلقات مادمين بالنسبة لي لأنها تطبق مفهوم (ماثيو واينير) مبتكر "مادمين" و (ديفيد تشايس) مبتكر "السوبرانوز" فكرة بأن الحلقة التلفازية لها [بداية، أحداث، نهاية] .. بحيث تقتنص جزء من الحكاية ولكنها مرضية لإيصال مغزاها على ثلاث أجزاء صريحة. تبدأ بسؤال (؟) تتابعها أحداث (...) لتنتهي بإجابة (!) .. وكأنها قصة قصيرة وهي أكبر من ذلك. هي تشكل قطعة من أحجية صورة كاملة. وهذه النظرة التطورية للتلفاز للأعمال الدرامية الحديثة في آخر ٢٥ سنة وأكثر .. تمنح هذه النظرة بُعد آخر، لثقل كل حلقة تُعرض، مع ارتباطها الوثيق بالسابقة، لكنها تتفرد بكيانها.

تغدو هكذا .. ١) من هو دون درايبر؟ ٢) هو الرجل الذي سيقودك إلى الجمال، الألم، المعركة، الهاوية والملاذ... ٣) ليروي قصتك كبطل حقق المستحيل، كرجل خارق لم يعرف أحد له مثيل! .. وهذا بالضبط ماحصل من أحداث الحلقة ١ من الموسم ٤ .. يالها من حلقة.

شكرًا ماثيو واينر على كتابة الحلقة الافتتاحية لوحدك، لتخرج بهذه الصورة.
...








مادمين بالرابع يصير أضخم وأشمل .. محد ومهما كان مستوى إعجابك بالموسم تختلف بإنه يحمل أكثر اللحظات الأيقونية ..

لطالما أُعجِبت بالملصق الدعائي الخاص بالرابع، رغم أنه لا يحكي أو يتميز بشيء على عكس جميييع ملصقات مواسم العمل بلا استثناء. ولكن... وعلى غالب الأمر بسبب إهتمامي الغريب للملصق لحظتها، لأنه كان أول نظرة للمسلسل .. بلحظة عابرة أتذكر هذا الملصق لمسلسل لم أعرفه من قبل .. متواجد هذا الرجل في المنتصف ولا يكاد بقربه أي شيء، ويتواجد في مفضلة أحدهم بين مسلسلات أخرى. وفي إطار طرح إعطاء حكاية مادمين بُعد مختلف رغم كل البساطة والتعقيدات المحيطة بها، فالكتّاب بالرابع يمنحوننا نهج جديد... رونق ألمع ولمحة أروع بروتين يتجدد بعد ثلاث مواسم سابقة، ينهض بها العمل لتحدي آخر .. لأن من الرابع: العمل لم يعد مجرد مسلسل .. بل أصبح ذا هيبة ومكانة بين الكبار، ويحفر إرثه ليصمد للتاريخ. أصبحت شخصياته الفرعية أيقونية، أصبحت الأزياء والأوجه والتعابير أكثر جدية .. لأخذها منحنى تاريخي، فهي لم تعد تمثل بضع سنين في حقبة، بل الحقبة! فترات أطول وكعقد، وهذا ليس بالأمر السهل. ومن أهم مميزات هذا الموسم كونه لم يعد يستكشف شخصياته... الأن هو يحصد مازرعه فيهم من خصال .. كل فعل وحدث هو تتويج، ناتج عن أحداث وأفعال سابقة، يستمر بها العمل لتتويج كل حلقة ثقيله بالأفكار، كما أعتدنا من مادمين.


دون بالموسم الرابع هو دون مختلف على جانب معين... الشعور بالذنب. دون الأن عكس الثلاث المواسم السابقة، هو لا يشعر بالذنب بلحظة مواجهته بأخطائه، أو انكشاف حقيقة عنه سواء من أحد أو لنفسه بسبب موقف. لا لا لا .. دون يشعر بالذنب في لحظات متفرقه. لأنه الأن انتقل إلى التطرف في العلاقات الحميميه، ولم يسبق لدون رغم علاقاته الكثيرة هذا النوع من التطرف ليتقبل أي نوع من الأذى الشخصي. وكأن الشعور بالذنب غير مؤلم كفاية، يحتاج ألم يعيد الصورة بطريقةٍ ما. وكل تطرف، يلحقه تطرف أكبر وأعظم... لتتحول لشخص لا تتعرفه نفسك.

...







وبعد الأولى .. كيف كانت الثانية؟ الكل يتذكر مشهد حفلة الــ كريسماس في الشركة، ومشهد الرقص الأيقوني... ولكن، هناك قطعتين من دون تُلاحظ في ثاني حلقات الموسم: الأولى؛ دون يهرع خارجًا بعذر بعد محاولة الاقتراب منه نحو جداول لا يريد عبورها ..


الثانية؛ دون لا يُقيم علاقة مع فتاة مكتبه وحسب. بل يهمش وقع حدوث الحادثه .. ولا أعتقد إنكسار الفتاة كان بسبب عدم استمرار العلاقة، بل لعدم إلقاء لما حصل أي بال، وكأنه لم يحصل. دون مرة أخرى... يتناسى ولا ينسى بأن مبدأ "التقدم للأمام، ونسيان بعض الفواجع لكي لا تعطل مسيرتك" لا يتماشى بسهولة عندما يرتبط بأشخاص آخرين بشكل مباشر معك.


دون يمثل في الحلقة الثانية... "كذبة سانتا" .. سانتا يجلب الهدايا وهو لا يمثل الواقع. ودون؟ يجلب الفواجع وهو لا يكاد يمثل حياته... دون كذبة تركض ولا تنظر للخلف. دون أصبح قنبلة فواجع، وكل من يقترب سيلتقي بمصيره المحتوم. دون درايبر في الموسم الرابع يخسر نفسه كبشري، أصبح شيء أقرب ليكون مسخ. ووصول الكتّاب لهذه المرحلة... من عدم إمتلاك أي شيء يتمثل به كشخص حقيقي هو تحدي يفرضه العظماء فقط.


ومن الممكن بأنك تضن بأن لطالما كان دون درايبر هكذا... ما الذي تغير؟ .. ومباشرة سأقول لك بأنك تتناسى، نعم تتناسى ولا تنسى، وكأنك أنت دون درايبر بعينه. ببساطة؛ دون دائمًا ما حمل بعض من الوقار، القليل من المهابة كرجل محترم. ومشاهد كثيرة جدًا لدون كانت تمثل كل هذا. احتقاره لكل من يتصرف بغير إحترام. خصامه على من لم ينزع قبعته في مصعد، والتحدث ببذاءة بجوار آمرأة. تقليل من الاحترام والسخرية من صديق في العمل وتلطيخ سمعته....... والكثير من المشاهد الأخرى.

هي الفكرة ببساطة تكمن هنا: الرجل فقط بدأ بالسقوط الفعلي .. لخسارته ما يُقربه لكونه شخص جيد في المنزل بين زوجته وأطفاله، ليتذكر قليلًا بأنه مازال ديك ويتمين.

...








وعندما يحين السقوط لرجل، وتكون يقين به .. تحاول النظر لعلامات متفرقة. وفي اللحظة التي شعرت بها أنني لا أملك أي نقطة اتفاق بيني وبين دون درايبر .. يذهب دون في رأس السنة لقضاء إجازته مع "آنا درايبر" .. المأوى والملاذ والمكان الآمن حيث يستطيع هذا الرجل الاسترخاء ونسيان الحياة. وكُنت أسعد من دون برؤيتها.


في حواره معها حول كشف بيتي لحقيقته... وكل حديثي السابق عن معرفة حقيقة أي شخص أمام أي كائن بشري آخر، هنا، ديك ويتمين .. ليس دون درايبر، يخبرك لماذا لم يتجرأ على قول هذه الحقيقة لها. لأنه يعلم بالنتيجة. يعلم كيف سيتصرفون البشر... حتى ولو كانوا مقربين وعزيزين عليك. لكن آنا؟ ... آنا تمثل كل شيء لدون، بوصلة للحياة... وبت أتخيل لو كانت جزء حقيقي من حياة دون، حول أطفاله وحول بيتي .. وحول عمله... أعتقد كنا بنشوف دون درايبر مختلف: كنا ممكن... نشوف ديك ويتمين يدخل مكتب دون درايبر .. وقد لا يكون بتلك الرهبة اللامعة، والعظمة الإبداعية المتناهية .. ولكن سيكون إنسان.


وهذي اللحظة... بالراحة من أهم ١٠ لحظات في مادمين. قلتها .. كل شيء كان بيكون مختلف. آنا في حياة دون بوصلة، تعيد عقل هذا الرجل لمكانه الصحيح .. كرجل يُدعى: ديك ويتمين.


أتريد أن تشاهد أعين رجل بالغ... وكأنه طفل أمام الحياة؟ .. الحلقة ٣ من مادمين هي أحد أكثر الحلقات حزنًا، غصه تلامس قلبك، لا تعلم من أين أتت... عمل إخراجي وكتابي كبير في هذه الحلقة.

خسارة دون لــ آنا هي ليست مجرد خسارة، بل أكثر من ذلك... لك أن تتخيل فقط هذه الخسارة الأولى لدون حيث تتمثل في شخص يكن له حب نقي ونقي جدًا... شخص وكأنه فرد من العائلة .. يحبك حبًا ليس له أي مثيل. حب بلا شروط، بلا قيود، مهما بدر منك ومهما فعلت .. فمكانك محفوظ، وقلبه لك آسير وغير مرير. حب... هو حب. حب روح لروح حياة أخرى.

موسم ٤ هو شبيه بموسم ٢ لجمعهم للقاء بين دون درابير وآنا في كلا الموسمين .. وحين يميل لتقديم شخصيته دون درايبر في قوالب الحياة بلا استثناء: من مجدٍ ودهاءٍ، سلطة وسطوة، فشلٍ وعِداء، هوس وضياع .. والكثير من القوالب الأخرى.


والأن... وكأن بيغي تمثل بعض .. بعض هذا الشيء. وليس الكثير منه. ولكن هي تمثل ذلك له من بعدها.



والجميل في مبدأ دون درايبر وتعاطيه مع الحياة من حوله -مهما حمل من سلبيات فهي تختلف من شخص لشخص- بأنه يعلم جيدًا بأن الحياة لن تنتظر حزنك، ولن تفتح أبوابها لك إن لم تتقدم إلى الأمام... دون في في الحلقة التالية يُغير من أسلوب حياته، يبدأ بكتابة مذكرات يومية -على الأرجح بسبب روجر- ، وأفكاره المختلفة، يمارس أنشطة ويقلل من الشراب. أصبح تأملي أكثر، وينفصل عن الواقع أحيانًا بنظرة تأملية أشمل. وعاد... نعم عاد دون في القسم الثاني لشخصية أكثر جاذبية للمشاهد، مع شموليته لأبعاد شخص حقيقي يحاول التصحيح .. عاد لحمل بعض من ذلك الوقار الذي يرتبط به المشاهد مع دون... خلال مشهد بسيط يوبخ (كاغروفس) من السخرية.

دون درايبر .. دون درايبر! شخصية إعجازية، كتابةً وتجسيدًا


دون درايبر يدخل منحنى آخر بعد هذه البصيرة في منتصف الموسم، دون بسبب موت سكرتيرة مكتبة، والفوضى مع سالي .. يتوقف عن كتابة المذكرات، ويدخل منحنى ومنعرج جديد .. هذا المنعرج يعطيك تصور للدائرة المغلقة اللي يدور فيها دون درايبر بفكرة " ما هو جديد" .. حين شاهد مجددًا بأن الحياة، وكذبة حياته الأكبر ستُكشف مرة أخرى .. دون ينهار أمام د. فاي، وعودته من هذا الانهيار يذكرنا بالمعضلة الحياتية التي لا يكف عن العيش في كنفها هذا الرجل... رغم كل الإهتمام التي قدمته د. فاي .. يُشاهد، بل يلتفت بتأمل لهذه الفتاة الواقفة أمامه .. ميغان هي الشيء "الجديد" هي الكذبة اللامعة البراقه لفصل جديد يستطيع الهرب بداخله دون درايبر نحو فجر جديد من صُنعه. لأن دون درايبر يهوى صُنع حِراك حياته بنفسه .. كما فعل حين حصل على وظيفة في مبنى ضخم من العدم بعد أيام من متاجرة الفراء، يلتقي بروجر .. ويبدأ حقبته الخاصة بيديه.

...








أما بخصوص بيتي... هي من البداية حفلة، كيف الأن؟ .. مستحيل التحول في شخصيتها، وكأن دون درايبر قام بخيانتها في نهاية الثالث. وليس بسبب أنه أخفى أمرًا كبيرًا وجليًا .. ولكن خاصًا، وهو تحت أي ظرف، مهما بلغ مقدار الخطأ بعدم علمها -بالتأكيد شعورها كان داخل فقاعة "تزوجت من محتال"- هو أمر خاص، ولا يستحق كل هذا الكره المفرغ على دون درايبر. وهي في الواقع... غضبها هو مجموعة من التراكمات، لأن دون قام بخيانتها، وأعتقد أنها فكرت قليلًا واكتشفت بأنها لم تكن المرة الأولى له، وكثير من المرات تلاعب بها وبعقليتها -أحد المرات برهن فكرة طرحها لحساب شركة من خلال تصرفات بيتي- .. فكل هذه الأفعال هي تلخيص نظرتها لدون درايبر بالرابع.


ولا تترك فرصة واحدة للتعبير عن كمية الحقد بداخلها تجاهه، ليتحول لأطفاله وأطفالها وبالأخص سالي درايبر. علاقة سالي بوالدها دون درايبر .. في لحظات كثيرة هي بين نارين بطبيعة الحال، أحدهما هو عقاب حانق .. والآخر هو تجاهل دائم. تضيع بين قلبين والديها بيتي ودون. ودون يُمثل الجانب الجيد لها في ذلك الوقت، ولكن تتوق للفوز بحبه وانبهاره بها.

...








مقتطفات عشوائية على شكل نقاط:

*دون في ثالث موسم تقدم له خطاب من ذلك الشخص صاحب سلسلة الفنادق ... واللي سبق وقلت عنه أحد أهم الشخصيات العابرة في مادمين. حول وضع صور للعائلة والأحبه على مكتبة... وها نحن نشاهد دون يقوم بذلك


*عنوان الحلقة ٥ هو
T​h​e​ ​C​h​r​y​s​a​n​t​h​e​m​u​m​ ​a​n​d​ ​t​h​e​​ ​S​w​o​r​d​

وهو كتاب عن ثقافة اليابان وأمور كثيرة. الشركة تحاول تفوز بحساب شركة يابانية في عالم تغير الأن من حول دون... كون شركات عديدة تنافسهم وبشكل صريح .. في محاولة من الكتّاب لرفع حدة الصراع الدرامي في مكان عمل دون، وبطبيعة الحال لإحتواء المكان غالب شخصيات المسلسل عمومًا. دون درايبر قرأ الكتاب واقتبس بضع كلمات... ولك أن تتخيل بعدها العجب الذي صنعه دون درايبر ..


*أحد أسعد لحظام الموسم... وكأن وجه بيغي يمثلني تمامًا حين لمحت خياله يأتي للمكتب... عودة فريدي! شخصية أحبها بشكل غريب .. تتملك روحه هدوء عجيب بعد تركه للشراب، لكن سرعان ما يتقلص حضوره لإمتلاء الموسم وتضخمه .. الرجل فيه من الثبات الشيء الكثير. وهذا الهدوء... منح فريدي الشعور بالترك وعدم الرد على بيغي بعد إلقاء كلمات جارحة عليه... حينما يتبادلان الأفكار .. واشمئزازها من أفكار فريدي القديمة، من الممكن بسبب شعورها بأنها أفكار رجعية .. ولكن فريدي؟ هو شخص جديد. شخص ذو حكمة بنوع ونكهة مختلفة. لكن لا تذهب بخيالك بعيدًا .. فما زال فريدي هو فريدي... يأكل ويدخن. مستحيل والله :)



*ومن أسعد لحظات الموسم أيضًا... هي كون العجوزة الأسطورية، وعميدة كل الفتيات في المبنى .. الآنسة بلانكيتشيب مسؤولة عن مكتب دون


*هذي مجرد لمحة لمصنع الفكاهة اللي قدمته شخصيتها للمكتب وللموسم... بسببها، ممكن مشهد موتها قدم أفضل مشاهد -التعريف الحقيقي- للكوميديا السوداء .. شيء جنوني وبقمة التميز.

...









ختام الموسم بعنوان: "أرض الغد" .. والغد هي كلمة وصفية لدون درايبر بالنسبة لي. في طباعه وأوصافه وبراعته. دون هو من نوعية الأشخاص المناضلين ولكن في عصر الحداثة، بمعنى أنه سينجو .. مهما حدث، سينجو بطريقته المختلفة عن الغير غالبًا. هذا الرجل هو وحش إن حاصرته في زاوية .. لن تعي في الحقيقة معنى رجل يُدعى دون درايبر حتى تمتثل لتشاهد حياته كشريط مُنعكس لحياتك... مرتين... في زمنين... مختلفين.



في الختام، ومرة أخرى، بالرغم أنها الإعادة... أشعر بأن مادمين يرفع التحدي للمستوى الذي لا يستطيع إلا قله قليلة من الأعمال تقديمه .. واو.

Comments

Post a Comment